المشاعر الإنسانية عند مجنون ليلى

المشاعر الإنسانية عند
قيس بن الملوح

1) نسبه الصحيح..

#قيس_بن_الملوح_بن_مزاحم_بن_عُدس_بن_ربيعة_بن_جعدة_بن_كعب_بن_ربيعة_بن_عامر_بن_صعصعة
يطلق عليه لنسبه (قيس العامري ) و لقب بالمجنون لبيت شعر قاله :

وبي من هوى ليلى الذي لو أبثه
جماعة أعدائي بكت لي عيونها

أرى النفس عن ليلى أبت أن تطيعني
فقد جنّ من وجدي بليلى جنونها

وقيل إن حديث المجنون وشعره وضعه فتى من بني أميّة، كان يهوى ابنة عم له وكان يكره أن يَظهر ما بينه وبينها، فوضع حديث المجنون...
وقيل أن هذا الشعر مولد عليه، وقال
(الجاحظ) ما ترك الناس شعراً مجهول القائل قيل في ليلى إلا نسبوه إلى المجنون.. 

...............

2) عشق ليلى صغيراً :

قال (أبو عمر الشيباني) كان المجنون يهوى
#ليلى_بنت_مهدي_بن_سعد_بن_ربيعة_بن_كعب_بن_ربيعة_بن_عامر_بن_صعصعة
وتُكنى أم مالك، وهما حينئذٍ صبيان، فعلق كل واحد منهما صاحبه، وهما يرعيان مواشي أهليهما في جبل التوباد..  فلم يزالا كذلك حتى كبرا فحجبت عنه، ويقال أنها كانت كفلقة القمر..

تعلّقت ليلى وهي ذان ذؤابةٍ
ولم يبد للأتراب من صدرها حجم

صغيرين نرعى البهم، ياليت أننا
إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم

و أرادت (ليلى) أن تعلم هل لها مثلُ ما له عندها، فجعلت تعرض عنه وتحدث غيره، وكان قد علق بقلبه حبها، ونظرت إلى
 (قيس) فإذا بوجهه قد تغير فقالت :

كلانا مظهر للناس بغضاً
وكل عند صاحبه مكين

تُبلغنُا العيون بما أردنا
وفي القلبين ثم هوى دفين

وظل (قيس) بتذكر قول (ليلى) هذا حتى مات.. وقد أُغمي عليه ساعة حين سمع هذا القول.. 
..
3) (قيس) يخطب (ليلى) ..

لما شهر أمر المجنون و(ليلى) وتناشد الناس شعره فيها، اجتمع رجال العشيرة وخطبوهت ل(قيس) فبذل فيها خمسين ناقة حمراء، وخطبها (ورد) وبذل فيها عشراً من الإبل وراعيها، فدخل أهلها عليها وقالوا : والله لئن لم تحناري (ورداً) لنمثلنّ بكِ، فاختارت
(ورداً) على كرهٍ فخرّ مغشياً عليه..

 وقف (قيس) مستتراً ينظر إلى هودج (ليلى)
وأظغانها وقد رحل بها زوجها، فبكى وجزع، فقال أبوه : إنما جئنا بكَ متخفياً لتروح بعض ما بكَ بالنظرِ إليهم، فإذا فعلت ما أرى عُرفتَ.. وقد أهدر السلطان دمكَ إن مررت بهم فأمسكْ أو فانصرف، فانصرف قائلاً :

ذدِ الدمع حتى يظعن الحيّ إنّما
دموعك إن فاضت عليك دليل

كأن ًدموع العين حين تحملوا
جمان على جيب القميص يسيل

وخرّ مغشياً عليه، فما أفاق إلا وقد حَميت الشمس، فكان لا يلبس ثوباً إلا خرقةً، و لا يمشي إلا حافياً، ويلعب بالتراب فإذا ذكر
 (ليلى) أنشأ يحدث عنها عاقلاً لا يُخطئُ حرفاً..
 ..

4) حجوا به ليسلوها فزاد جنونه..

وبناءً على رأي رجال العشيرة، جج به أبوه، عسى الله يعافيه مما به ويبغضها إلى قلبه، فلما صار بِمُنى سمع صائحاً في الليل يصيح يا (ليلى) ! فصرخ وسقط مغشياً عليه حتى أصبح.. 
فقال أبوه : تعلّق بأستار الكعبة و اسأل الله أن يعافيكَ من حب (ليلى)، فتعلق بأستارها ثم قال : ” اللهم زدني حباً ل(ليلى) وبها كلفاً، ولا تنسيني ذكرها أبداً “ .

وهام في البرية مع الوحوش، فألفته الظباء، وكانت تنهل معه دون أن تنفر منه، وجعل يهيم حتى بلغ حدود الشام، فإذا ثاب إليه عقله سأل من يمرُّ به عن نجدٍ وجبل التوباد، فيقال له : وأين أنت من نجدٍ ؟
فيقول : فأروني وجهة الطريق !! فيرحمونه ويعرضون عليه أن يحملوه أو يكسوه، فيأبى ويجدُّ في السير فإذا بلغَ حدود اليمن عاد يسأل عن التوباد ونجد ويرجع حيث أتى :

أراني إذا صليت يممت نحوها..
بوجهي وإن كان المصلى ورائيا

ومابي اشراكٌ ولكن حبها..
كعود الشجا أعيا الطبيب المداويا

أحب من الأسماء ما وافق اسمها..
أو اشبهه أو كان منه مدانيا   
....
5) أحزان (قيس) ورفضه أسر (ليلى) :

فتنت الأحزان قلب (قيس) وأذابت لوعة الفراق فلم يعد يركز فيما يُقال :

وشُغلت عن فهم الحديث سوى
ما كان فيكِ فإنه شغلي

وأديم لحظ محدثي ليرى
إن قد فهمت وعندكم عقلي

نهاري نهار الناس حتى إذا بدا
لي الليل هزتني إليكِ المضاجع

لقد ثبتت بالقلب منكِ محبةً
كما ثبتت بالراحتين الأصابع

ورأي الصيادين يكيلون غزالةً اصطادوها فتذكر
 (ليلى) وقد لفَ الزواج جناحها فغدى الغزالة بشأته، وقال :

أيا شبه ليلى لا تراعي فإنني
لك اليوم من وحشةٍ لصديق

تغرُّ وقد أطلقتها من وثاقها
فأنتِ لليلى لو علمت طليق

و قد أحبّ من (ليلى) شِعرها وكلامها العذب، وظل يذكر قولها ” كلانا مظهر للناس بغضاء “ حتى مات وردّ عليه في آخو لحظات حكايته بما يضاهي شعر (قيس ابن ذريح)، وقال : والله إني لأشعرَ.منه، إذا أقول :

و أدنيتني حتى إذا ما سبيتني
بقولٍ يُحلُّ العصمَ سهل الأباطح

تناءيت عني لا لي حيلةٌ
وخلقتَ ما خلقتَ بين الجوانح

العصم : الغزال المعتصم بالجبال 
وأيُّ قول أجمل وأبلغ من هذا الأدب الرقيق.

......
6 ) ماذا عن (قيس) ؟؟
إن قيساً وإن أنكروا بني عامر نسبه إليهم، فقد تناقلت العرب أخباره وأشعاره إلى عصرنا هذا، لما فيه من رقةٍ وإخلاصٍ وتضحيةٍ، فقد استهوى الورُقَ تأدوه وأذاب الصخر تنهده :

لقد غردت في جنح ليل حمامةٌ
على إلفها تبكي،  وإني لنائم

كذبت وبيت الله كنت عاشقاً
لما سبقتني بالبكاء  الحمائم

لقد بكى قبس واستزاد في البكاء، إلا أن أبا فراس الحمداني حينما كان في الأسر، ما هان عليه أن يذرف الدمع على عظم مصيبته، فقال :

أقول وقد ناحت بقربي حمامةٌ
أيا جارتا لو تعلمين بحالي

لقد كنت أةلى منك بالدمع مقلة
ولكن دمعي في الحوادث غال

هكذا الصبر، وهكذا يكون الاحتمال، وهكذا تكون الرجال.. 
......
7 ) ومات المجنون عشقاً :

خرج شيح من بني مرة ليقلي المجنون، فإذا أبوه شيخ وحوله رجال ونعم كثيرة، فسألهم عنه، فاستعبروا جميعاً، وقال والده : والله لهو أثر في نفسي من هؤلاء جميعاً، وأحبهم وأظرفهم قولاً..
وحكى له قصته، وقال : لقد حبسناه، فصار بعض لسانه وشفتيه، فخلينا سبيله، فهو يهيم مع الوحوش ولا يرضيه إلا الحديث عن ليلى.. 
فلحقه الرجل وصار يذكر شعر (ابن ذريح)، فيرد
(قيس) والله إني لأشعَرَ منه بكذا وكذا..         ثم هام خلف غزالة، فغاب ثلاثة أيام حتى وجوده ميتاً بين الحجارة، فكفنوه، وبكى عليه الناس..
وقال أحدهم والله إن هذا المجنون لأعقل من عقلائكم..  ووجدوا بجانبه آخر شعر له :

ألا أيها الشيخ الذي ما بنا يرضى
شقيت ولا هنت من عيشكَ الغضا

شقيت كما أشقيتني وتركتني
أهيم مع الهلاك لا أعرف الغمضا

وقد ندم عليه أبو ليلى ندماً شديداً، فما كان يتصور أنه إلى هذه الحال صائر.. وبكاه بكاءٌ مرّاً. 
...............

8) (قيس) والسفر الفرنسي المخلد ذكراه :

وأين قيس من قصة بول وفرجيني التي ترجمها المنفلوطي وأقيم لمؤلفها تمثال في فرنسا..
إذ ضيع الأول في الأوهام عمره مشققاً ثيابه، محرقاً واحتيه، ساقياً بالدمع أودية نجد..
بينما الثاني بول - لدى رحيل فيرجيني إلى فرنسا- انطلق  ليتعلم القراءة والكتابة والفِلاحة وعلمَ الجغرافيا مضاهياً فرجيني ابنة الأسرة النبيلة، التي أخذتها عمتها محمولة بالهودج، وعبرت بها البحر لفرنسا مكرهةً على الرحيل، وقد ترعرعا معاً في أحضان أفريقيا ذات الطبيعة الخلابة، إلى أن موتها غرقاً وقت لقائها كان أكبر من احتماله، فمات حزناً.. 
..............

9) (قيس)  والشاعر القروي :

أمر واحد استتكرته في (قيس العامري)، فقد مرّ بزوج ليلى وهو يصطلي في يوم شاتٍ ، فأنشأ يقول :

بربك هل ضممت إليكَ ليلى
قبيل الصبح او قبلت فاها ؟

وهل رفت عليك قرون ليلى
رفيف الأقحوانة في شذاها؟ 

فقال : اللهم إذ خلقتني فنعم،  فقبض المجنون بكلتا يديه قبضتين من الجمر، فما فارقهما حتى سقط مغشياً عليه، وهام وهو يقول :

قضاها لغيري وابتلاني بحبها
فهلا بشيءٍ غير ليلى ابتلانيا!

فقام الزوج مغموماً متعجباً، ولما بلغه أنه ينوه باسم ليلى ويدعي محبتها سبّه عند ذاك، فأغاظه المجنون بشعره قائلاً :

فإن كان فيكم بعل ليلى فإنني
وذي العرش قد قبلت فاها ثمانيا

أليس من البلوى التي لا شوى لها
بأن زوجت كلباً  وما بذلت ليا

و أين موقف (قيس العامري) من الشاعر القروي الذي هام حباً ببرازيلية حسناء ذات أصل عربي، لدى سماعها شعره وغناءه، وهامت به، قال في قصيدته بين الصداقة والحب :

ولكن الحبيبة ذات بعل
حسبت لحق صحبته حسابا

أباح لي الصداقة مطمئناً
و عاطاني وداداً مستطابا

وصالك جنتي لكن نفسي
تفضل في محبتك العذابا

فإن شئتِ السعادة فاهجريني
وزيدني صدوداً  و اجتنابا

لاقضي في الهوى العذري وجداً
ولست أخون في الود الصِحابا   
..............

10) حكم أمير الشعراء في (قيس) :

حكم شوقي أن سبب جنون قيس هو العادة والوهم، لا بيت من الشعر، كما ورد في كتاب
 ” الأغاني “. و يقول في مسرحيته قيس ليلى :

ليلى..
كلانا قيس مذبوح..  قتيل الأب والأم
طعينان...  بسكين..  من العادة والوهم

لم لا وقد تقدم قيس لخطبتها، وكان أكثر مالاً  و نسباً وجمالاً وحباً لليلى، فرفضه أبوها خوفاً من الكلام الموهوم على ليلى :
ليلى..
لقد زوجت ممن لم... يكن ذوقي ولا طعمي
ومن يكبر عني سني.. ومن يصغر عن علمي
غريب، لا من الحي..  ولا من ولد...  العمَّ
ولا ثروته...  تربى. .. على مال أبي الجمّ
شتيتين وإن لم يبعد...  العظم من العظم 
..............

11) وتحيي (ليلى) القصة الخالدة :

بصبرها واحتمالها ووفائها لزوجها، وتنكر أشعار قيس كتغزله ب ”ليلة الفيل “، فتقول مستذكرة : متى كانت ليلة الفيل هذه؟ 
وقد وشى الوشاة لقيس، أن ليلى تسبُه وتشتمُه عله ينساها...  فلم يصدق ذلك، بل يقول :

حلالً لليلى شتمنا وانتقاصنا
هنيئاً ومغفورً لليلى ذنوبها

ولقد أبدع شوقي في وصفها، إذ يصور لنا زيارة قيس خلسةٌ لها ودعوته إياها، فترفض ليلى على الرغم من كل معاناتها وشوقها :

قيس.. 
تعالي نعشْ يا ليلُ في ظلِ قفرةٍ
من البيد لم تنقل بها قدمان

فكم قبلة يا ليل في معية الصبا
وقَبل الهوى ليست بذات معان

أخذنا وأعطينا إذا البهم ترتعي
وإذ نحن حلف البهم مستتران

منى النفس ليلى قربي فاكِ من فمي
كما  لف  منقاريهما  غردان

ليلى..
و ورد يا قيس وردٌ ما حلفت به
لقد ذهلت فلم نعجل له شانا

ورد هو الزوج فاعلم أن ورد له
حقاً عليّ أؤديه وسلطانا

قيس : إذن تحاببتما؟ 
ليلى : بل تظلمني، فما أحبّ سواك القلب إنسانا

نحن الحرائر إن مال الزمان بنا
لم نشك إلا إلى الرحمن بلوانا

ويتركها قيس ويهيم، فتقول : وا رحمتاه لقيس عاد ما كانا!!

 خاتمة..
وهكذا ينتهي خبر من أخبار ”الأغاني“، وقد خلده شوقي بمسرحياته لما فيها من رقة العرب ووفائهم واخلاصهم، وما فيها من إعجاز في اللغة العربية والأدب العربي..

انتهى المحبث..  نلقاكم على خير

كتابة #علي_فروح (بتصرف)
#مجلة_بناة_الأجيال- اصدارات وزارة التربية السورية عدد (33) كانون الثاني/ يناير  2000.  ص : 91-86 .
................................

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصيدة داهباً كالبرق

القاص اللبناني كرم ملحم كرم