الأم في اللغة وذاكرة الشعر (الأجزاء الثلاثة)
”الأمُّ“ في اللغة وذاكرة الشعر : (1)
استهلال...
الأمّ ُ لفظ جميل هادئ حنون..
الأمّ ُ زخةُ مطر ٍ حنون تنير دروبنا.. تريح أنفسنا..
تغسل آلامنا و أحزاننا فتجمّل حياتنا ..
تجعلنا نشعر بالسعادة والرضا والارتياح..
وتبقى الأمّ ُ مصدر الإلهام والإبداع، وقصيدة عشقنا الغالية نتعلم منها أبجدية الحب..
ترددها الألسن.. وهي الملاذ الأول والأخير..
لا نعرف الراحة إلا في حضنها الدافئ..
وهي سرّ نجاحنا و أصل حياتنا..
يستقي منها الشّعر سر الخلود..
وهي أصل الخصوبة والإنجاب ونبع الخير..
والعطاء وريحانة الدنيا.. وبهجتها..
هيهات نلقى قلباً كقلبها..
ما أجملها ما أروعها .. !!
نبع الحنان والعذوبة.
سنتاول موضوع الأمّ حسب المحاور الآتية :
* معنى الأمّ العصور القديمة والفكر الإسلامي والأوروبي
* الأم في الشعر العربي القديم
* الأم في الشعر العربي في العصر الوسيط
* الأم في شعر أدبنا المهجري
* الأم في الشعر العربي الحديث
......................
”الأمُّ“ في اللغة وذاكرة الشعر: (2)
الأمّ في اللّغة : تعني، فيما تعنيه؛ الأصل والأساس والجذر والمنبت والمنشأ..
☆ففي العصور القديمة :
كانت الأمّ في الجماعات البدائية قوام الأسرة وعمدتها..
وقد ظل البشر دهوراً طوالاً ينتسبون إلى أمهاتهم دون أبائهم.. وذلك لاعتبار هذا الولاء أصرح نسباً وأوضح انتماءً ..
(فاللغة الأمّ ) مثلاً يقصد بها اللغة الأصلية، إذ لم يقولوا اللغة الأب!!
لافتقار هذه العبارة إلى الدقة، لأن الأصالة الحقيقة إنما تسري إلى الطفل من خلال أمه لأنه مولود من رحمها وملتصق بها وملازم إيّاها في تكوينه ونموه...
فكأنما المراد هنا أن المرء في طفولته يرضع اللغة من فم أمه مع رضاعته من لبنها سواء بسواء...
ومن هنا يتردد على الألسن تعبير :
(الوطن الأم) أي الوطن الأول والاساس..أي المنبت ومسقط رأس الإنسان وإن تعددت الأوطان..
وعلى هذا المنوال.. توسّع الناسُ في استعمال لفظ الأمّ .إذ يعنون به دائماً "الأصل والجذر".
☆ ففي البلدان الغربية
إن المرأة التي تتولى عملاً أساسياً في أي ادارة
يطلقون عليها اسم (الأم).. بل يطلق على كل امرأةٍ مسنة بوجه عام، وهذا من قبيل الاحترام والتقدير لما تنتطوي عليه كلمة
”الأم“ من هالة محببة عميقة لدى كل إنسان، وربما للسبب نفسه يطلق في بعض لغات الغرب اسم (الأم الكبيرة) على ما تسميه العرب ” الجدّة "، إذ لا وجود لمرادف هذا اللفظ ”الجدّة“ في غاليبة معاجمهم..
وهناك أيضاً جملة من العبارات تنطوي على كلمة ”الأم“ وتدور على الألسنة مثال ذلك :
(المؤسسة الأم) : أي المؤسسة الكبرى.. تميزاً لها عن سائر الفروع الاخرى لها.
(الينبوع الأم) : أي الأغزر..
(الكتاب الام)..أو (الفكر الام) ..بالنسبة إلى بحث ما..
(اللوحة الام).. بالنسبة إلى لوحة فنية تشكيلية من الرسم أو النحت..
☆ وفي الفكر الإسلامي شاع تعبير ؛
(أم الكتاب) ..أي صورة الفاتحة لأنها تتصدر آيات الله البينات في مستهل القرآن الكريم..
(أم القرى) ..الاسم الثاني لمكة المكرمة وقد عرفت مكة في لسان العرب و
عقديتهم، وتاريخهم بأنها (أم القرى) أي سيدة المدن ورائدة البلدان لما انطوت عليه من قداسة وعراقة بوجود قيام الكعبة المشرفة في وسطها منذ القدم..
(أم المؤمنين) : الذي اختصت بها أمنا خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، لانها زوجة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، لكونها أولى نسائه وساندته في الدعوة وكانت أول امرأة في التاريخ تعتنق الإسلام.. والمرأة الأولى التي جعلها المسلمون بمثابة أم للمؤمنين..
(أم المسيح عليه السلام) : مريم العذراء، والتي تبوأت مقاماً علياً في عقيدة المسلمين والمسيحيين... وقد خصها القرآن الكريم كما خص المسيح عليه السلام بكثير من من آيات التقدير والتعظيم .. وثمّة سورة خاصة (سورة مريم) في القرآن الكريم ..
.................
”الأمُّ“ في اللغة وذاكرة الشعر: (3)
☆ الأم في تراثنا القديم :
منذ المجتمعات العشائرية والقبلية كان للأم دور كبير، واهتم العرب في الجاهلية.. فراحوا يتفاخرون بها إذا ارتفعت، ويتقاذفون بها إذا تدنّتْ، وهذا ما نجده عند الشاعر
(الشنفرى) الذي يفاخر بنسب أمه، قائلاً :
أن ابن خيار الحجر بيتاً ومنصباً ...
وأمي ابنة الأحرار لو تعرفينها
كذلك يقول في لاميته المشهورة؛ ”لامية العرب “ :
أقيموا بني أمي صدور مطيكم...
فإني إلى قومٍ سواكم لأميَلُ
ولأن احترام الأمّ ُ واجبٌ على كلّ ابن، كما هو واجب عليه حمايتها.. والدفاع عنها ضد أي إهانة.. ومهما بلغ الثمن، وحادثة قتل
(عمرو بن كلثوم) لعمرو بن هند خير دليل على ذلك.. والتي كانت السبب في كتابة معلقته المشهورة التي يخاطبه فيها قائلاً :
بأي مشيئةٍ عمرو بن هندٍ ..
تطيع بنا الوشاة و تزدرينا
بأيّ مشيئةٍ عمرو بن هندٍ ..
نكون لقينكم فيها قطينا
وهكذا حظيت الأم في العصر الجاهلي بمكانة كبيرة.. وازدات عظمتها في العصر الإسلامي وما بعده..
فالام هي الأصل.. وما الولد إلا فرع منها.. ومن لا يحترم أصله ويعتز به لا يستحق الاحترام...
والأم رمز التضحية وهي الملجأ الآمن والصدر الحنون الذي يأوي إليه المرء في ساعات الألم.. والمحن والملمات. وهذا ماعبر عنه الشاعر العباسي (علي بن الجهم) وقد لاقى من قوة أبيه عليه ما لاقى وهو بعيد عن أمه، حيث يقول :
أُمَّتا أَفديكِ مِن أُمِّ
أَشكو إِلَيكِ فَظاظَةَ الجَهمِ
قَد سُرِّحَ الصِبيانُ كُلُّهُمُ
وَبَقيتُ مَحصوراً بِلا جُرمِ
وقد حضّ الرسول صلى الله عليه وسلم على طاعتها تقديراً وتعظيماً لمكانة الأم العالية..
يتبع .... >>>
كتابة #علي_فروح ( بتصرف )
مصدر ورقي : #مجلة_بناة_الأجيال دمشق السنة 14-عدد 54 شتاء 2005 ص: 108
استهلال...
الأمّ ُ لفظ جميل هادئ حنون..
الأمّ ُ زخةُ مطر ٍ حنون تنير دروبنا.. تريح أنفسنا..
تغسل آلامنا و أحزاننا فتجمّل حياتنا ..
تجعلنا نشعر بالسعادة والرضا والارتياح..
وتبقى الأمّ ُ مصدر الإلهام والإبداع، وقصيدة عشقنا الغالية نتعلم منها أبجدية الحب..
ترددها الألسن.. وهي الملاذ الأول والأخير..
لا نعرف الراحة إلا في حضنها الدافئ..
وهي سرّ نجاحنا و أصل حياتنا..
يستقي منها الشّعر سر الخلود..
وهي أصل الخصوبة والإنجاب ونبع الخير..
والعطاء وريحانة الدنيا.. وبهجتها..
هيهات نلقى قلباً كقلبها..
ما أجملها ما أروعها .. !!
نبع الحنان والعذوبة.
سنتاول موضوع الأمّ حسب المحاور الآتية :
* معنى الأمّ العصور القديمة والفكر الإسلامي والأوروبي
* الأم في الشعر العربي القديم
* الأم في الشعر العربي في العصر الوسيط
* الأم في شعر أدبنا المهجري
* الأم في الشعر العربي الحديث
......................
”الأمُّ“ في اللغة وذاكرة الشعر: (2)
الأمّ في اللّغة : تعني، فيما تعنيه؛ الأصل والأساس والجذر والمنبت والمنشأ..
☆ففي العصور القديمة :
كانت الأمّ في الجماعات البدائية قوام الأسرة وعمدتها..
وقد ظل البشر دهوراً طوالاً ينتسبون إلى أمهاتهم دون أبائهم.. وذلك لاعتبار هذا الولاء أصرح نسباً وأوضح انتماءً ..
(فاللغة الأمّ ) مثلاً يقصد بها اللغة الأصلية، إذ لم يقولوا اللغة الأب!!
لافتقار هذه العبارة إلى الدقة، لأن الأصالة الحقيقة إنما تسري إلى الطفل من خلال أمه لأنه مولود من رحمها وملتصق بها وملازم إيّاها في تكوينه ونموه...
فكأنما المراد هنا أن المرء في طفولته يرضع اللغة من فم أمه مع رضاعته من لبنها سواء بسواء...
ومن هنا يتردد على الألسن تعبير :
(الوطن الأم) أي الوطن الأول والاساس..أي المنبت ومسقط رأس الإنسان وإن تعددت الأوطان..
وعلى هذا المنوال.. توسّع الناسُ في استعمال لفظ الأمّ .إذ يعنون به دائماً "الأصل والجذر".
☆ ففي البلدان الغربية
إن المرأة التي تتولى عملاً أساسياً في أي ادارة
يطلقون عليها اسم (الأم).. بل يطلق على كل امرأةٍ مسنة بوجه عام، وهذا من قبيل الاحترام والتقدير لما تنتطوي عليه كلمة
”الأم“ من هالة محببة عميقة لدى كل إنسان، وربما للسبب نفسه يطلق في بعض لغات الغرب اسم (الأم الكبيرة) على ما تسميه العرب ” الجدّة "، إذ لا وجود لمرادف هذا اللفظ ”الجدّة“ في غاليبة معاجمهم..
وهناك أيضاً جملة من العبارات تنطوي على كلمة ”الأم“ وتدور على الألسنة مثال ذلك :
(المؤسسة الأم) : أي المؤسسة الكبرى.. تميزاً لها عن سائر الفروع الاخرى لها.
(الينبوع الأم) : أي الأغزر..
(الكتاب الام)..أو (الفكر الام) ..بالنسبة إلى بحث ما..
(اللوحة الام).. بالنسبة إلى لوحة فنية تشكيلية من الرسم أو النحت..
☆ وفي الفكر الإسلامي شاع تعبير ؛
(أم الكتاب) ..أي صورة الفاتحة لأنها تتصدر آيات الله البينات في مستهل القرآن الكريم..
(أم القرى) ..الاسم الثاني لمكة المكرمة وقد عرفت مكة في لسان العرب و
عقديتهم، وتاريخهم بأنها (أم القرى) أي سيدة المدن ورائدة البلدان لما انطوت عليه من قداسة وعراقة بوجود قيام الكعبة المشرفة في وسطها منذ القدم..
(أم المؤمنين) : الذي اختصت بها أمنا خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، لانها زوجة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، لكونها أولى نسائه وساندته في الدعوة وكانت أول امرأة في التاريخ تعتنق الإسلام.. والمرأة الأولى التي جعلها المسلمون بمثابة أم للمؤمنين..
(أم المسيح عليه السلام) : مريم العذراء، والتي تبوأت مقاماً علياً في عقيدة المسلمين والمسيحيين... وقد خصها القرآن الكريم كما خص المسيح عليه السلام بكثير من من آيات التقدير والتعظيم .. وثمّة سورة خاصة (سورة مريم) في القرآن الكريم ..
.................
”الأمُّ“ في اللغة وذاكرة الشعر: (3)
☆ الأم في تراثنا القديم :
منذ المجتمعات العشائرية والقبلية كان للأم دور كبير، واهتم العرب في الجاهلية.. فراحوا يتفاخرون بها إذا ارتفعت، ويتقاذفون بها إذا تدنّتْ، وهذا ما نجده عند الشاعر
(الشنفرى) الذي يفاخر بنسب أمه، قائلاً :
أن ابن خيار الحجر بيتاً ومنصباً ...
وأمي ابنة الأحرار لو تعرفينها
كذلك يقول في لاميته المشهورة؛ ”لامية العرب “ :
أقيموا بني أمي صدور مطيكم...
فإني إلى قومٍ سواكم لأميَلُ
ولأن احترام الأمّ ُ واجبٌ على كلّ ابن، كما هو واجب عليه حمايتها.. والدفاع عنها ضد أي إهانة.. ومهما بلغ الثمن، وحادثة قتل
(عمرو بن كلثوم) لعمرو بن هند خير دليل على ذلك.. والتي كانت السبب في كتابة معلقته المشهورة التي يخاطبه فيها قائلاً :
بأي مشيئةٍ عمرو بن هندٍ ..
تطيع بنا الوشاة و تزدرينا
بأيّ مشيئةٍ عمرو بن هندٍ ..
نكون لقينكم فيها قطينا
وهكذا حظيت الأم في العصر الجاهلي بمكانة كبيرة.. وازدات عظمتها في العصر الإسلامي وما بعده..
فالام هي الأصل.. وما الولد إلا فرع منها.. ومن لا يحترم أصله ويعتز به لا يستحق الاحترام...
والأم رمز التضحية وهي الملجأ الآمن والصدر الحنون الذي يأوي إليه المرء في ساعات الألم.. والمحن والملمات. وهذا ماعبر عنه الشاعر العباسي (علي بن الجهم) وقد لاقى من قوة أبيه عليه ما لاقى وهو بعيد عن أمه، حيث يقول :
أُمَّتا أَفديكِ مِن أُمِّ
أَشكو إِلَيكِ فَظاظَةَ الجَهمِ
قَد سُرِّحَ الصِبيانُ كُلُّهُمُ
وَبَقيتُ مَحصوراً بِلا جُرمِ
وقد حضّ الرسول صلى الله عليه وسلم على طاعتها تقديراً وتعظيماً لمكانة الأم العالية..
يتبع .... >>>
كتابة #علي_فروح ( بتصرف )
مصدر ورقي : #مجلة_بناة_الأجيال دمشق السنة 14-عدد 54 شتاء 2005 ص: 108
تعليقات
إرسال تعليق